قضية حقوق الإنسان في خطاب شبكة إسلام أونلاين.. قراءة


عقدت في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ورشة عمل لمناقشة دراسة تنجزها الشبكة حول حقوق الإنسان في الإنترنت العربية، وكانت شبكة إسلام أونلاين إحدى دراسات الحالة التي اعتمدت عليها الدراسة؛ جنبا إلى جنب مع مواقع إعلامية أخرى كموقع الجزيرة، وموقع العربية وموقع محيط، بالإضافة إلى مجموعة من المواقع الحقوقية المتميزة موضوعا؛ حتى وإن كان بعضها غير مميز من زاوية قدرات العرض وعدد الزوار والمشاهدات.

وبقدر ما كانت فرضيات الدراسة طيبة، وبقدر ما كانت الأدوات المنهجية مشروعة في إطار بحوث ودراسات الإنترنت في العالم العربي الذي لا تزال بحوث الإنترنت فيه لا تزال تحبو، بقدر هذين الأمرين؛ إلا أن الدراسة الاستطلاعية لم تكن قادرة على استيعاب كل ما تناولته شبكة إسلام أونلاين ضمن الحالة الحقوقية. وكانت مشاركة وحدة البحوث والتطوير بشبكة إسلام أونلاين ضمن الورشة محاولة لإضاءة الطريق أمام باحث متميز، وبحث هام، على الأقل نضيئه فيما يتعلق بشبكة إسلام أونلاين؛ بقدر ما حاول كل مشارك إضاءة الطريق أمام البحث فيما يتعلق بموقعه أو شبكته.


إسلام أونلاين والحالة الحقوقية


لم تكن شبكة إسلام أونلاين – حتى تاريخ الدراسة الاستطلاعية التي يقود فريق العمل فيها الباحث المتميز محمد حاكم – قد عنيت بتقييم خطابها حيال القضايا الحقوقية. ومع نتائج الدراسة الاستطلاعية التي أرسلتها لنا الشبكة لتكون أساسا لإدارة النقاش؛ والتي اختلفنا معها كما وكيفا، كان من الطبيعي أن تعمد وحدة البحوث والتطوير بالشبكة إلى إجراء دراسة سريعة عن وضع الحالة الحقوقية في خطابها، فضلا عن تقديم موجز لرؤية الشبكة حيال هذه القضايا. وقد قامت الوحدة بإنجاز دراسة أعدتها الباحثة الإعلامية هبة ربيع، فضلا عن قيام كاتب هذه السطور بتقديم قراءته لواقع هذه القضية ضمن مساحات الخطاب المتعددة المجالات والمستويات التي تقدمها شبكة إسلام أونلاين. وكان المنطلق من وجهة نظري تقديم مقاربة فكرية تعكس خصوصية خطاب شبكة إسلام أونلاين فيما يتعلق بتعاملها مع القضايا الحقوقية بصفة عامة.

بداية، خلصت دراسة الأستاذة هبة ربيع إلى معارضة الرصد الكمي للقضايا الحقوقية بشبكة إسلام أونلاين ضمن الدراسة الاستطلاعية التي تجريها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وكانت الدراسة قد أشارت إلى أن معدل إنتاج الشبكة ضمن الحالة الحقوقية كان 1.1 مادة يوميا خلال عام 2006. وخلصت الدراسة التي أجرتها وحدة البحوث والتطوير بشبكة إسلام أونلاين إلى أنه خلال الفترة من 1 مايو 2005 وحتى أخر أبريل 2006 تم نشر 292 موضوع يهتم بقضايا الحريات، استأثرت صفحة (أخبار وتحليلات) منهم بـ 206 موضوع، بينما نشرت صفحة (الإسلام وقضايا معاصرة) 4 موضوعات، 4 موضوعات في (النطاق الدعوي)، 39 موضوع في (تحليلات وآراء)، 15 موضوع في (ثقافة وفن)، موضوع واحد في صفحة (مجاهيل ومشاهير)، موضوعين في نطاق (حواء وآدم)، موضوع في صفحة (علوم وصحة)، 4 موضوعات في (مفاهيم و مصطلحات)، موضوع في نطاق (التزكية)، 6 موضوعات في (نماء)، 9 موضوع في وثائق وبيانات. وكانت الموضوعات عن الحريات تمثل نسبة 4.8 % من إجمالي المادة المنشورة (5971) في الموقع خلال نفس الفترة، تقفز النسبة في نطاق مصر الجغرافي عن الحريات إلى 8.3% من إجمالي الموضوعات المنشورة عن مصر.

أما إذا استعرضنا المادة المنشور عن (حقوق الإنسان) في نفس الفترة لوجدنا أنها 846 موضوع منها 620 موضوع في صفحة (أخبار وتحليلات)، 20 في نطاق (الإسلام وقضايا معاصرة)، 18 في (النطاق الدعوي)، 70 موضوع في (تحليلات وآراء)، 23 موضوع في (ثقافة وفن)، 29 موضوع في صفحة (حواء وآدم)، 3 موضوعات في (علوم وصحة)، موضوع في صفحة (مجاهيل ومشاهير)، موضوع في (مشاكل وحلول)، 4 موضوعات في (مفاهيم و مصطلحات)، 10 موضوع في ملفات وصفحات خاصة، 19 موضوع في (نطاق التزكية)، 8 موضوعات في صفحة (نــمــاء)، 20 موضوع في (وثائق وبيانات)، وهو ما يعني أن نسبة الموضوعات التي تتناول حقوق الإنسان في الموقع تبلغ 14% من نسبة الموضوعات في الصفحة، وتقفز النسبة لتصل إلى 17.4% في حالة التركيز على مصر فقط.

وإذا بحثنا خلال عام 2006 فقط من 1 يناير 2006 إلى أخر العام في 31 ديسمبر 2006 كانت إجمالي المادة المنشورة في الموقع كله عن حقوق الإنسان 718 موضوع من إجمالي 5944 مما يعني أن المادة المنشورة عن حقوق الإنسان في كل الصفحات في كل النطاقات الجغرافية تبلغ 12%.

غير أني أضيف إلى نتائج دراسة الأستاذة هبة ربيع أن البحث ضمن الخط الإعلامي بالشبكة (الصفحات المتخصصة) يختلف إلى حد كبير عن البحث ضمن خط الاستشارات الذي يضيف للشبكة بعدا يتسم بكونه أكثر فردية؛ إذ يتعامل مع أسئلة أفراد وليس مجرد موضوعات عامة. وقد يكون إسهام صفحة مثل الاستشارات الصحية منعدما بصورة مباشرة كدال في التناول الحقوقي، لكنه قائم على فكرة حق الفرد في خدمة صحية تتجاوز العلاج لصالح مفاهيم التوعية والتوجيه للتخصصات الأكثر مواءمة للشكوى.. إلخ. لكن صفحات الاستشارات الشبابية والاستشارات التربوية والاستشارات الدعوية والاستشارات الإيمانية لم تخل من معالجات مباشرة لقضايا حقوقية، فضلا عن استيعابها لمعدل لا يستهان به من المعالجات غير المباشرة. وهو ما أردنا أن نلفت نظر فريق البحث في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إليه.

ولم ينظر كاتب هذه السطور لضرورة استحضار موقع إسلام أونلاين الإنجليزي ومحتويات خط الإعلام وخط الاستشارات به فيما يتعلق بالحالة الحقوقية، وإنما اكتفى بالتنبيه إلى أن دراسة شبكة معلومات حقوق الإنسان لم تتعرض إليه، وربما كان هذا مبررا بالنظر لتركيز البحث المشار إليه على الإنترنت العربية.

وواضح من نتائج دراسة أ. هبة ربيع وحدها أن معدل نشر المادة الحقوقية على الشبكة خلال فترة الدراسة التي اعتمدتها دراسة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تتجاوز 1.8 مادة يوميا؛ وذلك إذا بحثنا بكلمة حقوق الإنسان فقط، وتدلنا إحصاءات الدراسة على أن كلمة حقوق الإنسان ليست الكلمة المفتاحية الوحيدة التي يمكن بها البحث عن حضور الحالة الحقوقية في شبكة إسلام أونلاين كما في غيرها من المواقع الإعلامية. ولقد ضربنا مثلا بقضايا الحريات، وهي جزء لا يتجزأ من القضايا الحقوقية، وكانت النتيجة المنشورة فيها خلال عام تتم بمعدل نشر بلغ 0.7 مادة يوميا وحدها من دون حضور مفردة حقوق الإنسان التي لا يشترط حضورها لاعتبار الموضوع متعلق بالقضايا الحقوقية.

وبعيدا عن الدراسة، التي سيتسنى لجميع زوار إسلام أونلاين الاطلاع عليها، فقد قمت بإجراء مقابلة مع رئيس قسم نظم المعلومات بشبكة إسلام أونلاين، وذلك بهدف منح الباحث قائد فريق العمل بمشروع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مؤشرات قوية الدلالة والصدقية، وكانت نتيجة المقابلة أن اختلاف المصنفين للمادة بقسم نظم المعلومات قد يكون سببا لتفاوت الكلمات المفتاحية التي يتم التعامل مع المادة المنشورة، فالحالة الحقوقية تندرج تحتها كلمات مفتاحية متعددة قد يرى كل مصنف أنها تحتاج لتعبير أكثر ضيقا من حيث الدلالة، لكي ييسر على الزائر العثور على مبتغاه.

وهذا الطرح يفسر سبب تفاوت نتيجة البحث عندما نبحث ضمن محتوى شبكة إسلام أونلاين باستخدام كلمات مفتاحية مثل "حقوق المرأة" أو "حقوق الطفل" أو "الديمقراطية" أو "الحريات" على نحو ما رأينا. وبخلاف هذا المبدأ الكمي الهام في الرصد، إلا أن كاتب هذه السطور كان له رؤية يستشعر أنها أكثر عمقا بعض الشئ، مما جعلني أقدر معدل المادة الحقوقية المنشورة ضمن محتوى شبكة إسلام أونلاين بأكثر من 10 مواد لليوم الواحد. وهذا ما سنتعرف على مرده ضمن السطور القليلة القادمة.


خصوصية الطرح الحقوقي بإسلام أونلاين


كان من المهم بداية أن نقف على خصوصية الطرح الحقوقي بشبكة إسلام أونلاين من زاويتين. الزاوية الأولى تتمثل في خصوصية رؤية هيئة تحرير الشبكة للمساحة الحقوقية، والزاوية الثانية تمثلت في خصوصية المرجعية الإسلامية في طرح مفاهيم حقوقية ربما كانت تغيب عن المنظومة الحقوقية التي صدرتها الحضارة الغربية للعالم ضمن رؤيتها العولمية.

أ – تحيز الدراسة وخصوصية الشبكة:

أما عن الزاوية الأولى، فقد لمست وجود مستويين من التحيز ضمن مشروع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في بحثها عن الحالة الحقوقية في الإعلام العربي على الإنترنت، أول هذين المستويين يتمثل في التحيز لما هو سياسي، وثانيهما يتمثل للتحيز فيما هو سلطوي.

ففيما يتعلق بالتحيز لما هو سياسي، فقد كان واضحا من محكات الرصد التي اعتمدتها دراسة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنها تتحيز للمجال الحقوقي السياسي، وكان جديرا بالذكر لفت النظر إلى أن المساحة الحقوقية ضمن شبكة إسلام أونلاين تتجاوز السياسي لصالح شيوع اقترابها الحقوقي في عرض محتواها الإعلامي في كافة نطاقات (أقسام) الشبكة بلا استثناء. وقد ذكرت من قبل أن نطاق "حواء وآدم بالشبكة يهتم بمساحات حقوقية لا يمكن اعتبارها ضمن المجال السياسي بحال. فملف مثل التحرش بالأطفال هو ضمن حق الطفل كإنسان في حياة آمنة ومستقبل خلو من العقد والمخاوف، وهو جزء أكبر من مجموعة من حقوق الطفل حرص هذا النطاق الاجتماعي على استحضارها وتكثيف الوعي بها. ولن نتحدث أكثر من هذا عن خوض نفس النطاق في مجالات مثل حقوق المرأة كزوجة، وحقوقها كأم، وحقوقها كابنة. ولن نمنع النطاق الدعوي من مناقشة حقوقها كداعية تحضر في المساحات العامة الإعلامية أو الإنسانية بعامة. وعندما يناقش النطاق الدعوي حقوق الداعية على الناس وحقوق الناس على الداعية، بل وعندما يناقش حقوق عضو حركة إسلامية ضمن الترتيب الهيراركي لحركة إسلامية ما؛ بالنظر لما يفرضه هذا الترتيب من حقوق وما يرتبه من التزامات. وقل نفس الأمر بالنسبة لنطاق الفتوى ونطاق التزكية والنطاق العلمي والنطاق الاقتصادي.

إن ما أريد أن أخلص إليه هنا هو أن المنظور الحقوقي كان منظورا سائدا لدى كافة نطاقات إسلام أونلاين، فهو كما يراه البعض درجة من درجات المرجعية الوضعية الاجتهادية ذات الأساس الشرعي الذي يمثل المرجعية الكبرى لإسلام أونلاين، وترى فيه هيئة تحرير الشبكة منظورا يمكن من خلاله تقييم أية علاقة في أي مساحة من مساحات الحياة الاجتماعية.

وأما عن الزاوية الثانية لتحيز بحث الشبكة العربية فقد كانت التحيز لمستوى علاقة السلطة بالمجتمع المدني، سواء كمنظمات أو كأفراد. وهنا كنت في حاجة للإشارة إلى أن الحالة الحقوقية - كما رصدتها – تتميز براديكالية حميدة حقوقيا، تتجاوز مركزية السلطة باعتبارها الطرف المركزي ضمن العلاقة الحقوقية لصالح مستويات مختلفة من العمل العام والخاص. وقد ذكرت طرفا من هذه المستويات من قبل. فملفا التحرش بالأطفال أو النساء يتضمن بعدا حقوقيا يكون الفرد فيه هو المركز لا السلطة. وعندما نتحدث عن تنظيمات المجتمع المدني ومن ضمنها بعض الحركات الإسلامية كطرف يسهم في تآكل الحالة الحقوقية أو تعزيزها فنحن نتحدث عن تجاوز لمركزية السلطة. ويبدو تفهم إهمال الحديث عن الحالة الحقوقية ضمن معترك السياسة الدولية تحصيل حاصل، لكن نشير ضمن هذا لحقوق كتقرير المصير والاستقلال وازدواجية معايير مساندة المجتمع الدولي للحالة الحقوقية المواجهة للتعسف والاستبداد.. إلخ، من قبيل التدليل المؤشر.

ب – خصوصية المرجعية وتميز الشبكة

في شبكة إسلام أونلاين تعلمت من الجميع عدم التباهي بحقيقة أن الرؤية الإسلامية كانت سباقة في المجال الحقوقي أو غيره من المجالات من قبيل التواضع لله أولا، ثم من قبيل احترام إسهامات الحضارات المختلفة في مجال دعم الإنسان كفرد أو دعمه ضمن الأطر الجمعية التي يرتاد عضويتها. لكني هنا في مقام الشاهد الذي لا يمكنه إخفاء الشهادة، ولا يمكنه كتمان ما أضافته الشريعة للحالة الحقوقية ضمن مفهوم أوسع وأكثر تراحمية وخصوصية.

هذه الشهادة تجعلني أشير إلى مصدرين لتميز الرؤية الإسلامية، وأدعو النخب العلمية المسلمة للتحرك لإضافتها لجملة الموروثات الحضارية الإيجابية التي أسهمت بها الحضارات المختلفة فيما يتعلق بالحالة الحقوقية. ومصدرا التميز هي أولا: منظور دعم الحقوق بمفهوم الواجب الشرعي، وثانيا: تلك الصور الحقوقية الخاصة بالشريعة.

أولا: فلو نظرنا للنطاقات التي تتعامل مع نصوص الشريعة سنجد ما لفت النظر إليه المستشار طارق البشري في كتاباته بالنظر إلى مفهوم الواجبات في الرؤية الإسلامية مقارنة بطرح الحقوق في الرؤية الغربية. فإذا كانت الرؤية الإسلامية قد اعتبرت المنظور الحقوقي وعنيت به؛ إلا أن ذلك لم يمنع من وجود اقتراب آخر للظاهرة الحقوقية يتمثل في الاقتراب الوجوبي، وهو اقتراب يرتبط بالواجبات التي ألقتها الشريعة على عاتق المسلم حيال دوائر الإنسانية المحيطة به. وقد أوضح المستشار البشري إلى أن أحد مصادر تميز شريعة الإسلام أنها قدمت الحقوق بصورتين؛ أولهما وجه الحق وتعريف صاحب الحق به لكي يطالب به، لكنها قدمته أيضا من منظور كونه واجبا أيضا على المسلم. فحق الإنسان على أخيه الإنسان، أو حق الإنسان على المسلم هو في نفس الوقت واجب على المسلم تجاه أخيه الإنسان؛ وهذا ما يحقق من وجهة نظر المستشار البشري ميزة مطلق للشريعة. فالنظر للحق باعتباره حقا قد يرتب صورة صراعية للتفاعل الإنساني بسبيل استرداد الحق، أما أن تصوره الشريعة باعتباره واجبا يدخل به الإنسان في رحمة ربه فهذا ما جعل المسلم يستبق إسداء الحقوق وردها أملا في تجنب العقوبة الدنيوية وتجنب عذاب الله في الآخرة.

ويمكنني أن أضيف أن الرؤية الإسلامية تقرن الحقوق بالواجبات لأن الواجبات قد لا تصبح عبئا على الضمير ما لم يكن الإنسان ملتزما بتعاليم الله، ولهذا فإن وجود الحق لا يتأثر بوجود الواجب، بل يتعزز به ولا يغيب بغيابه.

وقد سؤلت في التعقيبات عن مفهوم الإنسان في المنظومة الحقوقية المسلمة بالنظر لمحورية مفهوم المسلم، وأوضحت أن الحالة الحقوقية من وجهة نظر الشريعة ليست كالحالة الغربية في نسبيتها. فدوائر الحقوق في الرؤية الإسلامية متعددة، حيث رتب الله لكل الإنسان على المسلم حقوقا، لكنه زاد في حقوق بعض الفئات. فقد جعل الله للابن على أبيه حقوق تزيد عن حقوق/واجبات أي إنسان على إنسان، وكذا جعل للأب على ابنه مزيد حقوق/واجبات، بل وجعل للأقارب حقوقا على بعضهم أكثر مما رتب من حقوق الناس على بعضهم. كما رتب الشارع جل وعلا حقوقا للجيران على بعضهم مهما اختلفت دياناتهم، ورتب لأهل الكتاب حقوق أكثر من حقوق الإنسان العامة، ورتب للمسلم على أخيه المسلم حقوقا أكثر من غير المسلم. لكن لابد من أن نشير إلى أن حقوق المسلم تختلف عن حقوق غير المسلم في أمور بسيطة وشخصية وليست عامة كبعض أمور الزواج والميراث وحقوق الأموات. فكل دائرة علاقة إنسانية لها حقوق تخصها، وكل منظومات الحقوق محترمة.

ثانيا: أما المصدر الثاني للتميز الذي أردت الإشارة إلى غيابه عن النموذج الإدراكي الذي استند إليه مشروع الدراسة القيمة للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فيتمثل في تلك المصطلحات الحقوقية الخاصة بالشريعة، والتي تغيب عن مدركات كثير من راصدي المحتوى الحقوقي في دوائر الإعلام الإسلامي المختلفة. وهذا شأن الدراسات الغربية قاطبة إذ عجزت عن رصد مصطلحات حقوقية بالغة الثمانة والنفاسة التي تتفاوت مستوياتها بين الآداب والأخلاق والحقوق، ولن أضرب أمثلة كثيرة إذ سأكتفي بنماذج مثل العقوق والغيبة والنميمة والمناجاة وعيادة المريض؛ بل والحق في التحية وردها التي هي ضمن تعاليم الإسلام واجب يأثم تاركه. هذه المستويات الحقوقية لا تدركها المنظومة التعاقدية الحقوقية بصورتها كحقوق، لكن الإسلام اعتبرها وثمنها ورتب على جلها عقوبات دنيوية كما رتب عليها كلها مكافآت وعقوبات أخروية.


معالم من الطرح الحقوقي بإسلام أونلاين

من بين ما أريد التوقف عنده مما تم التعرض له بشكل مباشر في مداخلات الورشة أو في الدراسة الاستطلاعية يتمثل في عدة أمور أظن أنه لابد من التعرض لها ببعض الحديث. ومن هذه الأمور أريد أن أتحدث عن طبيعة الاتجاه الفكري التجديدي بإسلام أونلاين، وكذا حضور الآخر.

فأولا: فيما يتعلق الاتجاه الفكري فأنا أريد أن أميز خط إسلام أونلاين باعتباره خطا نشأ وترعرع داخل منظومة فكرية كان أحد أعلام الخوض فيها الأستاذ محمد بلقاسم حاج حمد الذي صاغ مشروع "العالمية الإسلامية الثانية"، والذي كان أن على المسلم الواثق في دينه العارف به أن يتحرك منفتحا على إسهامات الحضارات المختلفة بغير تلك الحساسية التي سادت تفكير مشايخ المسلمين وعلمائهم التي تدعو للتحفظ حيال الإنتاج الحضاري للآخر. وبرغم أن اتجاهات التجديد في الآونة المعاصرة عديدة لعل أبرزها الإطار السلفي بتياراته التي تتراوح بين التيار الوهابي في أقصى اليمين برؤيته العقدية ونقيضه الإخواني التجديدي برؤيته التي يغلب عليها السياسة، ثم تيار إسلامية المعرفة الذي صاغه المعهد العالمي للفكر الإسلامي، إلا أن عدم نضج المراكمات العلمية التيار الثاني: تيار الإسلامية، فضلا عما أنتجه التيار السلفي بمدارسه من صدام عقيدي أو سياسي، هذا ما جعل تيار العالمية أو تيار المسلم المعاصر أكثر إيجابية وأكثر قابلية لإتاحة الفرصة للتجديد الثقافي والسياسي مع الوعي بإطار الخصوصية.

وقد أدى هذا الاتجاه بتأثيراته في وعي هيئة تحرير إسلام أونلاين بدوائرها المختلفة إلى منح مرونة فكرية عالية استوعبت الإسهامات العالمية المختلفة للحضارات المختلفة، وأعادت قراءتها بشكل يستوعب غالبها ضمن أصولها الفكرية حتى يضمن لها الفاعلية ضمن الخطاب الذي تحمله الشبكة. تلك المرونة التي تجاوزت فاشية بعض الخطابات الإسلامية وساهمت في تجديد منهج النظر للأفكار الاجتماعية البناءة في عالمنا العربي والإسلامي. وبعد أن كانت فكرة الديمقراطية في أوائل التسعينات من قبيل الأفكار محل التحفظ التي يستعاض عنها بمفهوم لم ينضج داخل الممارسة الإسلامية العامة: الشورى؛ إذ بالديمقراطية "مما يحقق مقاصد الشريعة" وذلك عبر ضمانها وقاية المجتمع من الاستبداد والانحراف بالمنصب العام عن مقاصده وضمان محاسبة ومسؤولية المنحرف بالسلطة. وليست فكرة حقوق الناس ببعيدة عن نفس مجال التأثير.

وعلى صعيد ثان، يمكنني الإشارة لحيوية مفهوم الأوطان القومية في رؤية هيئة التحرير. ولعلها تكون قراءة خاصة بي، لكني ألمس مردوداتها عبر آليات المعالجات الإعلامية. ورؤيتي أن خطاب إسلام أونلاين تطور تلقائيا باتجاه منح دوائر الهوية الوطنية في عالمينا العربي والإسلامي وزنا مساويا لغيرها من دوائر الهوية، بل أظن أن تفسير هذا أنه ربما تولد عن العقل الجمعي التجديدي أن إيلاء الخطابات الإسلامية الاهتمام الأكبر لدائرة العالمية أو دائرة العالم الإسلامي قد جعلا الحركة الإسلامية بمختلف أطيافها غير قادرة على مراكمة أدبيات نهضة على المستوى القطري، مما جعل الخطاب الإسلامي دوما بعيدا عن الساحة القطرية التي تفردت بها قوى أغلبها ليس بالكفاءة الوطنية أو الفكرية التي تمكنه من حمل مشروع نهضة واستقلال قادر على إحداث نقلة نوعية إيجابية ضمن مساحة الهموم الوطنية العربية والإسلامية.

إن تلك الروح هي ما يميز الخط الوطني عن مفهوم القطرية، إذا يتمركز مفهوم القطرية على تقديم ساسة كل قطر مصالح هذا القطر على ما عداها من أحلام الوحدة والروح الجمعية العربية أو الإسلامية. أما مفهوم الوطنية فكان يعني استرداد دائرة الهوية الوطنية ورفع حالة الاغتراب التي وسمت علاقة الخطابات الإسلامية بها، مما يسمح لحملة هذه الخطابات ببناء وتحقيق طموحات أقطارهم في إطار السعي لبناء الإطار الجمعي الأكبر: العربي والإسلامي القادر على تعزيز العمق الإستراتيجي لكل قطر على حده.

وقد سرت روح الوطنية هذه في تناول إسلام أونلاين لكل قطر اهتمت بأجندته، بما كان يعنيه ذلك من دعم مراسلي الشبكة وحسن انتقائهم بعيدا عن ذوي الخطوط الإقصائية أو غير المبالية لدائرة الوطنية.

ولو نظرنا لحالة مصر كأنموذج أو دراسة حالة سنجد لهذا التوجه ملامح عديدة، كان من أهمها محاولات بناء التوافق العام بين التيارات المختلفة في هذا البلد حول أجندة قوامها ما لا يمكن غض الطرف عنه من آمال هذا البلد. وقد رصدت أن كل الاتجاهات الثقافية قد حضرت بخطابها، وكذا كل المذاهب والطوائف، وأعني هنا الطائفة المسيحية بقدر من التنويع داخلها. وقد كنت حريصا على أن أنظر في حضور كل هذه الأطراف وطبيعة هذا الحضور وأن أعمل على تقييم هذا الحضور، وكان سؤالي الأساسي: هل حضور هذه التيارات كان لنقدها أم لإسهامها في خطاب إسلام أونلاين أو في بناء تيار الوعي بالأجندة الوطنية التي أسلفت الحديث عنها؟ وكانت الإجابة أن الغالبية الكاسحة مما نشر لهذه الاتجاهات كان إسهاما في تيار الوعي الوطني وليس لنقد هذه الاتجاهات.


خاتمة

وبقدر ما حاولت أن أنير الطريق أمام هذا البحث بالغ الأهمية، فقد كنت حريصا على أن ألفت نظر الباحث إلى ضرورة التمييز بين المواقع الإعلامية ذات الخطاب وتلك المواقع ذات الجدوى الاقتصادية على نحو ما عرف ممثل موقع العربية موقعه باعتباره موقعا قائما على دراسة جدوى اقتصادية. حيث رأيت أن المواقع ذات الخطاب تحتاج إلى أدوات بحثية أكثر عمقا تحاول تقديم رؤية أكثر وضوحا وصدقية عن خطابها ومحمولاته وتطبيقاته.

كما أكدت على الباحثين أن وحدة البحوث والتطوير بشبكة إسلام أونلاين تهتم بتقديم المعونات البحثية المعلوماتية والتقنية لكل المشروعات البحثية المتعلقة باجتماعيات الإنترنت. وهي دعوة مفتوحة للاستعانة بنا وقتما تعوزهم الاستعانة.

تعليقات