إخوان مصر وخالد علي وامتحان العقل السياسي


وسام فؤاد

يحمل موقف القطاع الأوسع من أعضاء جماعة الإخوان في مصر من حملة ترشح خالد علي صبغة شكلاني/ صوري غير سياسية، ويمثل امتدادا للسجال القديم الذي دار بين قيادات الجماعة والمجتمع السياسي حول "مرجعية الصندوق". كان الصندوق من وجهة نظر الجماعة يحمل قدسية قانونية؛ نبعت آنذاك من نظرتهم للانتخابات باعتبارها تعاقدا ديمقراطيا اختار الناخبون خلاله الإسلام مرجعية لحياتهم وإدارة شؤونها. وبرغم 3 يوليو وما أعقبها من أداء سياسي إقصائي وخانق للمجال العام، استمر نفس المنظور يحكم نظرة الجماعة للانتخابات الرئاسية المصرية لعام2018، مع اختلاف التكييف الشكلي.

يمكن القول بأن الاتجاه العام لدى الجماعة لترشح خالد علي مخالف إلى حد كبير لنظرتهم لترشح حمدين صباحي في انتخابات 2014. فتحليل مضمون توجهات المعلقين لا يلصق بمحامي "تيران وصنافير" صفة المحلل الانتخابي، بل نسب أعضاء الجماعة هذه الصفة لمرشحين محتملين آخرين؛ ربما أعلنوا ترشحهم مدفوعين من جانب الدولة العميقة؛ ليضيفوا ملمحا فكاهيا وأحيانا هزليا للاستحقاق الرئاسي، وهو الملمح الذي يصب في جانب تعبئة من لديهم بقية من رضاء عن رأس إدارة 3 يوليو.
أما عن تكييف الإخوان الصوري القانوني لعوائد دخول مرشح للثورة في رئاسيات 2018 فيكاد ينحصر في تقديرهم أن هذا الأمر من شأنه أن يسبغ مشروعية ما على "الرئاسية" ونتائجها، وبخاصة فيما يتعلق بالخارج ونظرته للشرعية السياسية لإدارة 3 يوليو ورأسها. وهي رؤية لا يمكن فصلها بحال عن ثقافة جماعة إسلامية يغلب على عملية بنائها لرؤيتها النظر في نصوص الوحي المقدسة واستنباط ما تكتنزه من أحكام، كما لا يمكن فصله عن واقع غير مستقر للجماعة ربما تاهت فيه قيمة "الفصل بين الدعوي والسياسي". نلفت هنا إلى أن هذه المحددات تفترض غياب أثر قضية المعتقلين التي "ربما" كانت مفتاحا لفهم غياب الجماعة عن المشهد العام.
ولا يمنع هذا من وجود هامش بين أعضاء الجماعة يدعمون خوض مرشح ثوري للرئاسية، ويرون فيه بديلا لحالة "موات الحراك"، وتحديا للسيطرة الأمنية الفجة، وألهمتهم حياله فكرة المرحلة الأولى من الحملة؛ والتي حملت شعار "معركة التوكيلات"، والتي من شأنها أن تكشف تدخل الدولة العميقة لمرشحها المهتز، والعراقيل التي ستضعها في مواجهة خطوة جمع التوكيلات، ودفعتهم للمراهنة على مراحل أخرى للحملة الإعلامية من شأنها أن توفر إحراجا أكبر لإدارة 3 يوليو. وتحدث عدد منهم – من داخل مصر وخارجها - عن توجهه لتحرير توكيل لبطل معركة تيران وصنافير.
ولا يمكن في هذا المقام غض الطرف عن حضور ونشاط للجان إليكترونية، يمكن عبر تحليل صفحات حساباتها (بروفايلاتها) التثبت من أنها تنتحل صفة الإسلامية، حمل قاموس خطابها ترديا في مفرداته، واتخذت مواقفها منحى هجوميا يحمل طابعا أخلاقيا منتحلا لزوم ما يقومون به من وظيفة، وهو ما يشي بتوفر رغبة سلطوية في إنتاج حالة شقاق مستدام بين الجماعة والثوريين المدنيين، لا فيما يتعلق بالانتخابات، بل فيما يتعلق بالرغبة في قطع الطريق على أي تواصل مستقبلي قد يجمع الطرفين.
وفي تقديري، أن بناء موقف سياسي على مثل هذا التكييف القانوني لنتائج مشاركة مرشح مدني في رئاسية 2018، يتجاهل واقع أن الاقتراب القانوني لا يهم العالم الخارجي كثيرا؛ سواء في بعده العالمي أو الإقليمي، بقدر ما إنه لا يهم الداخل الذي يرى الدستور ينتهك بصورة تكاد تكون يومية، فضلا عن انتهاك القوانين، وغدو تعديلها أمرا تكتيكيا يسانده الواقع النيابي المصري الخاضع لإرادة السلطة التنفيذية، فضلا عن خضوع تطبيقها القضائي لنفس الإرادة مع نجاح جهود السيطرة على أغلب الجسم القضائي. وبتعبير آخر، فإن مرجعية الصندوق هنا هي محض إجراء صوري جديد يضاف لركام من الإجراءات الصورية التي تحتاجها الحكومات الغربية، برغم كل ما يجترح هذه الإجراءات من عوار، لتبرير تعاطيها مع إدارة 3 يوليو السخية في منح الامتيازات، وشراء الأسلحة التي تنقذ شركات كبرى من شبح الإفلاس، وتقديم التنازلات اللازمة لضمان بث متلفز وتدفق بصري يدعمان رأس إدارة 3 يوليو في السيطرة الداخلية.
هذا الانهيار الصوري/ القانوني الذي تكابده مصر لا يعني بمنظور علمي التنمية والهندسة السياسية سوى أن "السياسة هي الحل"، وأن الإصرار على الاقتراب الصوري لا يعني إلا دعم الإدارة القائمة، ودعم صورتها أيضا؛ أي صورة السيطرة المنوطة بأدائها ما يوكل إليها من أدوار إقليمية، من قبيل قمع الهجرة وتمرير الصفقات الإقليمية المرتقبة. كما أن هذا الاقتراب الصوري الإجرائي ينفي واقع نظرة رجل الشارع المصري لرئاسية 2018 باعتبارها "لعبة" مرتفعة التكلفة، كما ينفي واقع إدراك الكفيف قبل البصير، في الداخل أو الخارج، أن هذه الانتخابات خلو من أية ضمانات نزاهة. هذه الاعتبارات جميعها تجعل محصلة الاعتماد على هذا الاقتراب الشكلي الصوري القانوني الإجرائي محصلة صفرية أو تكاد.
بل إن الاحتكام لنفس الاقتراب سيكشف منذ الوهلة الأولى أن خالد علي ما زال مرشحا محتملا واهنا، وأن الانتهاء لترشحه الفعلي رهن بعقبات كؤود، يصادف أنها شكلية قانونية أيضا، من قبيل إمكانية رفض الحكم القانوني الابتدائي لصالحه في قضية "الفعل الفاضح"، وإمكانية رفض الدولة العميقة تمكينه من جمع التوكيلات اللازمة، أو مواجهته بعد جمعها بنفس تهمة السياسي المصري أيمن نور في رئاسيات 2005؛ واتهامه بتزوير التوكيلات، وإمكانية رفض أوراق ترشحه بالرغم من تمكنه "المحتمل" من توفير مسوغات ترشحه، وآخرا وليس أخيرا؛ فإنه قد لا ينجو من مرحلة الطعن على أسماء المرشحين لحجج قد لا يقبلها المنطق السليم في حين تقبلها أجهزة ومفوضيات وهيئات مستلبة تأتمر بأمر السلطة التنفيذية. كل هذه الاعتبارات الشكلية واردة بالطبع. ولا يعني هذا أن يسيطر التشاؤم على الموقف ويسوده؛ فالاعتبارات الحاكمة للمسلك السياسي تخالف اعتبارات الإجرائي الصوري.
المسلك السياسي في هذا المقام يعني دعم التواصل السياسي المفترض، أي التواصل على أرضية معالجة جراح الجسد السياسي المصري بمعناه الأوسع، وهو الجسد الذي تكالبت قوى محلية وإقليمية ودولية على نهشه في رابعة النهار، ودون خجل من الدماء المهراقة والأجساد الحبيسة والكرامات المهدورة. التواصل هنا أرضياته متعددة، فهو تواصل يعني الاتفاق على أولويات وطنية تسبق الروح الفصائلية، كما أنه يعني المراجعة، ويعني الفصل بين الدعوي والسياسي، ويعني تجاوز نتاج الأخطاء المتبادلة، ويعني الوعي بالكارثة القادمة، ويعني تجاوز الأثرة الفصائلية وتوفر روح متجددة ترغب في فتح صفحة جديدة؛ رافضة أن تظل حبيسة أخطاء الماضي وروح الانتقام التي سبق أن أثقلت بها قيادات سجون "ناصر" كاهل الجماعة؛ وهي الأثقال التي رفضها من قبل "جيل السبعينات" حين أنجز مشروع "الوسط" حواراته العابرة للأيديولوجيا. إن ما يعنيه العقل التواصلي الذي تحتاجه مصر اليوم أكثر من هذا بكثير، ولولا ضيق المقام لجرى القلم بدواعي استدعائه.
وبينما لا يمكن رد قولة من يرى أن التواصل يمكنه أن يمر من خلال ملفات متعددة ليس من بينها رئاسية 2018، وإن كانت الشواهد تؤكد الشك في حضور العقل التواصلي الفعال لدى الطرفين، و"خيرهما الذي يبدأ بتوفيره"، إلا أن ما يحمله ترشح خالد علي من إمكانيات دعائية لا يمكن توفيره عبر أية ملفات أخرى، وبخاصة أمام العالم الخارجي؛ لمن يهتمون بأمر كشف الحقائق أمام المجتمع الدولي، من بينها التحقيق في توفر الضمانات، وكشف العراقيل، والمراقبون الأجانب، وغيرها من الإمكانيات الدعائية؛ ولا نقول السياسية، مما يستحق مساندة محامي تيران وصنافير فيه.

لمراجعة النص في موقع النشر الأصلي يرجى الضغط على العنوان

تعليقات