اصطفاف الحد الأدنى وإدارة الانتخابات الصورية

وسام فؤاد

برغم الحشد الهائل الذي أجرته إدارة 3 يوليو، اتخذ نحو 36 مليون ناخب مصري، أي نحو 60% من الناخبين قرارهم بعدم المشاركة في الانتخابات، كما لجأت شريحة ممن اضطروا للمشاركة إلى إبطال صوتهم، أو اتباع نمط تصويت عقابي لصالح المرشح الكومبارس، وهي شريحة لا شك في أن السلطات الحاكمة قد تلاعبت في أوزان تأثيرها التصويتي للتخفيف من وقع أثرها على الصورة المراد تصديرها، وذلك بالنظر لغياب النزاهة والضمانات عن إجراء الانتخابات ورصد نتائجها، فضلا عن تلاعب هذه السلطات كذلك بالأرقام الكلية الخاصة بنسبة المشاركة التي كذبتها تعبيرات القلق في خطاب “الأذرع الإعلامية” خلال فعاليات “التصويت” التجميلي، فضلا عن فيديوهات “المواطن الصحفي” التي سدت الثغرة التي ارتبطت بإرهاب المراسلين الأجانب مع إبعاد مراسلة النيويورك تايمز “بيل ترو”.

هذه القراءة تفكك الخطاب الرسمي الذي أعلنته “الهيئة الوطنية للانتخابات” قبل دقائق من كتابة هذه الورقة البحثية، وما اعتبرته “فوزا كاسحا” لرأس إدارة 3 يوليو في “الانتخابات الصورية” التي لجأت إليها إدارة 3 يوليو لتحصيل أية صورة من صور الشرعية في مواجهة العالم من ناحية، ولإسباغ مشروعية “ما” على السياسة الخارجية لهذه الإدارة، وما ينتظر لها أن تبرمه خلالها من تسويات أو تقدمه من تنازلات، فضلا عن تسوية عداد التنازلات التي سبق لهذه الإدارة أن قدمتها لحلفائها من تفريط في التراب الوطني (تيران وصنافير – مشروع نيوم – الامتياز الروسي في السويس)، أو تنازل عن الثروة الوطنية (غاز المتوسط – حقوق التنقيب عن الذهب والنفط – أوقاف اليونان)، هذا بالإضافة لتنفيذ مشروع احتواء “مشروع يناير” الذي تنظر إليه دولة الاحتلال الصهيوني وحلفائها الإقليميين من “محور الثورة المضادة” بعين الريبة والتخوف من وجود ظهير شعبي مساند لحالة المقاومة التي يقودها قطاع غزة.

وفي إطلالة سريعة على الأرقام التي يشكك الوضعين القانوني والسياسي المصريين في صدقيتها، نجد أن من عدد من زعمت إدارة 3 يوليو أنهم أدلوا بأصواتهم قد بلغ 24 مليونا و254 ألفا و152 ناخبا، وذلك من بين 59 مليونا و78 ألفا و138 ناخبا لهم حق التصويت، بما يجعل نسبة التصويت تبلغ 41% تقريبا.

وبلغ عدد الأصوات الباطلة مليونا و762 ألفًا و231 صوتا بنسبة 7.3% من إجمالي من لهم حق التصويت، بينما أقدم 656 ألفا و534 صوتا على التصويت العقابي لصالح المرشح الكومبارس، بنسبة 2.9%، أما الرقم المتبقي، مضافا إليه رقم المرشح الكومبارس، فيعدان تحصيل حاصل من وجهة نظر المراقب للشأن المصري، ما يجعل نتيجة الانتخابات بمثابة “هزيمة نسبية” لإدارة 3 يوليو.

هذه الهزيمة “النسبية” التي تلقتها إدارة 3 يوليو، والمتمثلة في العلاقة غير المتوازنة بين الجهود التي بذلت، والنتيجة التي تحققت، كانت نتاج حالة اصطفاف يمكن تسميتها “اصطفاف الحد الأدنى”، وهي حالة اصطفاف “نسبي” وبدأ يتسع نسبيا، وإن بدا تكامله الإعلامي جليا خلال إدارة المعارضة “الحقيقية” لمعركتها المشتركة في مواجهة احتكار إدارة 3 يوليو لـ”الأذرع الإعلامية”، ما مكنها من مقاومة أكبر عملية استمالة وغسيل مخ كانت إمكانياتها المطلقة أكبر من تلك الحملة التي دارت وقائعها بعد انتخاب د. محمد مرسي رئيسا للجمهورية.

فما ملامح المواجهة التي شهدتها مصر قبل الانتخابات؟


أولا: في جهود السلطة للحشد

بذلت إدارة 3 يوليو جهودا ضخمة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحشد، وتوصيل الرسائل الثلاثة التي تحدثنا عنها في المقدمة، ومن أبرز ملامح هذه الجهود ما يلي:

1ـ دور النخبة العسكرية:

تدخلت النخبة العسكرية المركزية لمساندة إدارة 3 يوليو عير منع المرشحين المنتمين للمؤسسة العسكرية من النزول للمشهد الانتخابي، بدءًا بالعقيد محمد قنصوة وانتهاء بالفريق سامي عنان، مرورا بالفريق أحمد شفيق، رافضة توفير بديل لمصدر الأزمة، وهو رأس إدارة 3 يوليو. كما أنها استدركت على واقع تدهور صورتها بعد تصريحات رأس إدارة 3 يوليو، ولمحاولة استرداد التأييد المفقود لجأت لابتكار حملة عسكرية في سيناء، كان الدافع الحقيقي وراءها استغلال الميل الشعبي العام لمساندة القيادة السياسية في حالات الحرب.

2. الاستعطاف من أجل المشاركة:

عندما أدرك رأس إدارة 3 يوليو أن هدفه من إحداث مشاركة واسعة في “التصويت” شرع في استجداء الرأي العام للنزول والمشاركة، وتنصل من مسؤوليته عن منع المرشحين المنافسين من الترشح، ودوره في إعاقة توفير بديل انتخابي جيد.

3. الدولة وإمكانات الحشد:

اتجهت الدولة كذلك لمحاولة حشد قطاعات جماهيرية واسعة، واستغلت سيطرتها على مراكز إدارة الكتل البشرية الضخمة في محاولة الحشد هذه بين “النساء”، و”متحدي الإعاقة”، الطلاب وأساتذة الجامعات، واتحاد الغرف التجارية، و”اتحاد الصناعات المصرية”، و”اتحاد المستثمرين”، و”العمال”. وبدأت هذه الجهود بسيل تصريحات من شأنه أن يعزز إحساس أعضاء هذه الكتل بأنهم أفراد لا حول لهم ولا قوة، وهو أمر من شأنه أن يدفعهم لتقديم تنازلات. ومن ناحية ثانية، فإنه ييسر عملية قبولهم لجهود الحشد، من باب “دفع الأذى” في إطار عدم القدرة على إحداث تغيير. ومن ناحية ثالثة، ييسر هذا الشعور عملية قبول الناخبين ما قد تعرضه إدارة 3 يوليو من “رشاوي انتخابية”؛ بمنطق “هذا أقصى ما يمكنني تحصيله من منفعة”.

4. المساومة التنموية كرشوة انتخابية:

كما تطورت قضية الرشاوى الانتخابية، وبدلا من الاقتصار على شراء أصوات الناخبين، وتوزيع السلع التموينية، وتخفيض أثمان تذاكر الملاهي، وهي الظواهر التي لم ينكرها رئيس “الهيئة العامة للاستعلامات”، ضياء رشوان، في تصريحه لوكالة “رويترز” للأنباء، بل رصدت الصحف تصريحات للمحافظين عن مكافآت بتوصيل المياه والصرف الصحي للقرى الأكثر تصويتا. هذا فضلا عن قرار الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر توقيع غرامة تصل إلى 500 جنيه مصري على المتخلفين عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية

5. دعم الكيانات الدينية:

من جهة اخرى، تلقت أجهزة الدولة دعما دينيا واسعا من المؤسسات الرسمية الإسلامية مثل “وزارة الأوقاف” و”دار الإفتاء” وإلى حد ما “مشيخة الأزهر”، هذا فضلا عن توظيف بعض الرموز الأخرى المصرية، وغير المصرية، ومن بينهم الحبيب الجفري، وهو رجل الدين اليمني المدعوم إماراتيا، والذي تفرد له مساحات أوسع مما يفرد للعلماء المصريين، حيث صرح بأن: من حق الشهيد أن يذهب الجميع للتصويت في الانتخابات”. يضاف إلى هذا ما تلقته إدارة 3 يوليو من الدعم الإعلامي والسياسي الواسع للكنيسة المصرية. هذا بالإضافة للدعم النوعي من جانب حزب النور، ومن جهوده تصريح الشيخ ياسر برهامي تصريحه الشهير “نتعبد إلي الله باختيار السيسي”.

6. الأذرع الإعلامية وغسيل الدماغ:

يضاف إلى ذلك بطبيعة الحال الدور التقليدي للإعلام في غسيل العقول، بالمغالطة حيال الأداء الاقتصادي، وتضخيم التحديات الخارجية وتهويلها، واستغلال الظرف الإرهابي الذي شاركت إدارة 3 يوليو في صنعه وإمداده بعوامل بقائه، ألا وهو ظرف الإرهاب.


ثانياً: في ملامح جهود الاصطفاف

وفي المقابل، بذلت قوى “اصطفاف الحد الأدنى” جهودا كبيرة لمواجهة تدفق تيار غسيل الدماغ، واستعانت بالهامش الإعلامي المتاح لمباشرة عدة مناورات كان من أبرز ملامحها ما يلي:

1ـ نزع الشرعية عن “الأذرع الإعلامية”:

كان من أبرز نتائج جهود “اصطفاف الحد الأدنى” نجاحه في تجريد “الأذرع الإعلامية” لإدارة 3 يوليو من الشرعية، واتباع استراتيجية فضح المعالجات الإعلامية التي يقدمها إعلاميو هذه “الأذرع الإعلامية”، وفضح ما يتعرضون له من إملاءات، وكشف الدعاية الفجة التي يباشرونها، ومواجهة الرأي العام بالأكاذيب التي وظفوا لأجل ترديدها.

2. شرعنة إعلام المهجر:

نتيجة نجاح الاصطفاف في نزع الشرعية عن “الأذرع الإعلامية” مكنها من تجاوزت دعاية إدارة 3 يوليو حول “إعلام الإخوان”، واعتماد صيغة “الإعلام الأكثر مهنية”، فأسبغت الشرعية على عملية التعرض لوسائل الإعلام المعارضة في الخارج، سواء “قناة الجزيرة” أو “قناة الشرق” أو حتى “قناة مكملين”، وبدأ رموز مثل المهندس ممدوح حمزة في الحديث عنها، وإكسابها صدقية نسبية، والتأكيد على أنها لو تتضمن 25% – 50% أكاذيب، فإنها تظل أفضل من “الأذرع الإعلامية” التي تتضمن 100% من الأكاذيب.

3. الاعتمادية على إعلام المهجر:

شجع هذا المنهج لاحقا على تحويل “إعلام المعارضة” إلى ملاذ لعمليات فضح إدارة 3 يوليو، سواء تم ذلك عبر موقع “هافنجتون بوست عربي” أو “تليفزيون العربي” أو “قناة الجزيرة”، وإلى حد ما “قناة الشرق” و”قناة مكملين”، وهو ما تمثل في أحاديث د. عبد المنعم أبو الفتوح” والمستشار هشام جنينة والدكتور حازم حسني، وغيرهم.

4. احتواء الأذرع الإعلامية:

نجح اصطفاف الحد الادنى، أو الاصطفاف الإعلامي، في إحباط المعالجات الإعلامية بصورة كبيرة، في تفكيك الحملات الإعلامية التي أدارتها إدارة 3 يوليو، سواء في ذلك حملة العرض المستمر لتوهمات الإنجازات، وحملة تنمية منطقة الوراق، وحملة إدانة ثورة 25 يناير، وحملة تزييف حيثيات إقالة رئيس المخابرات العامة خالد فوزي، بالإضافة لتفكيك حملات استراتيجية ضخمة مثل حملة سعودية جزيرتي تيران وصنافير، وحتى الدعاية المرتبطة بحملة المواجهة الشاملة على الإرهاب في سيناء، وآخرا وليس أخيرا تفكيك سلسلة حملات الانتخابات الرئاسية.

5. التلاعب بمسار الانتخابات الصورية:

حيث تمكنت قوى الاصطفاف من استدراج إدارة 3 يوليو لتتعامل بشكل مضطرب مع ملف الانتخابات، حيث عملت القوى السياسية المصرية مجتمعة على اتباع سياسة تفضح انحياز إجراءات إدارة المشهد السياسي لصالح رأس إدارة 3 يوليو، وهو ما بدأ مع إدارة القوى المختلفة لحملة خالد علي، ثم مع مساندة مشروع سامي عنان، وعايرت إدارة 3 يوليو بعدم قدرتها على إدارة “الانتخابات الصورية”، وعدم قدرتها على تكرار تجربة 2014، ما دفع إدارة 3 يوليو للتعجل في اختيار مرشح “كومبارس”، بعد الضغط على الهيئة العليا لحزب الوفد لمنع ترشيح رئيس حزب الوفد لأداء دور الكومبارس، ما أدى لوقوع إدارة 3 يوليو في فخ الوقوف الاضطراري عند أول بديل مرضي “مفخخ”.

6. نزع الشرعية عن الكومبارس:

ترافق مع هذا التعامل الإيجابي مع الإعلام اتجاه المعارضة الجادة لتجريد كل من المرشح الكومبارس، وعملية إيجاد مرشح كومبارس من الشرعية. ففي أعقاب مشروع الاستدراج الشهير، تمهلت الحملة بعد الدفع بالكومبارس “موسى مصطفى موسى”، حتى لحظة التورط في جمع التوكيلات من الجماهير، ثم الحصول على التزكية من “أعضاء مدخرين من مجلس النواب”، بدأت فضح تاريخ الكومبارس المؤيد لرأس إدارة 3 يوليو، والتناقض في تصريحاته، والعبثية التي حضرت في كثير من بنود ما اعتبره “البرنامج الانتخابي الرئاسي”، ونمط إنفاقه الهزيل على الدعاية، وهزلية تعامل المجتمع السياسي معه. كما نجحت في الإفلات من فخ الشهادة التعليمية الذي رتبته خلية إدارة الانتخابات.


ثالثاً: تداعيات المواجهة

تمكن “اصطفاف الحد الأدنى” من توفير مباغتة نسبية، لكنها فعالة لإدارة 3 يوليو لملف “الانتخابات الصورية، وهو ما أدى لاضطراب الخطاب السياسي لنخبة 3 يوليو حيال هذه الفعالية الصورية، هذا فضلا عن الحد من قدرة إدارة 3 يوليو على التلاعب بأرقام الناخبين بالرغم مما تتمتع به هذه الإدارة من احتكار لموارد هائلة من القوة الناعمة والخشنة بحكم سيطرتها على موارد الدولة وركائز قوتها. كما تمكنت نخبة “اصطفاف الحد الأدنى” من دفع الجماهير لمعاقبة إدارة 3 يوليو. فما ملامح هذه التداعيات الثلاثة؟

1ـ الخطاب السياسي من الانتخابات إلى الاستفتاء:

من أبرز السمات التي يمكن الوقوف عندها في رصد ملامح معركة “الانتخابات الصورية” أن جهود نخبة “اصطفاف الحد الأدنى” أدت لاضطراب قوي في الخطاب السياسي للنخبة المؤيدة لرأس إدارة 3 يوليو، ما دفعها للتراجع عن خطاب المنافسة، واعتماد خطاب جديد يعود بالمشهد السياسي المصري لمربع “استفتاءات مبارك”. في هذا الإطار، اتجهت نخبة 3 يوليو للحديث عن “المشاركة الجماهيرية” بدلا من خطاب “المنافسة الانتخابية، وبدأت تروج لخطاب “المشاركة في الانتخابات واجب وطني تماما مثل الخدمة العسكرية”.

كما عاودت الحديث عن “المؤامرات الأجنبية، بما في ذلك المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية. جدير أن اللجوء لهذا الغطاء يعكس انكشافا واضحا في خطاب نخبة تجد في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني حليفين أساسيين، إلى جانب معسكر الثورة المضادة الإماراتي – السعودي.

2ـ العقاب الجماهيري:

الأرقام التي تحدثنا عنها عاليه تعكس نتيجة الصراع بين إدارة 3 يوليو وقوى “اصطفاف الحد الأدنى”. فبرغم زيادة أعداد الناخبين في 2018 عن 2014 بما يقدر بنحو 7 مليون ناخب، وفقاً لأرقامهم المعلنة، إلا أن نسبة المشاركة قد انخفضت بنحو 7%، حيث قرر نحو 36 مليون ناخب مقاطعة هذه الفعالية الصورية. يضاف إلى هذا أن المبالغة في نسبة المشاركة تخالف تقديرات دبلوماسيين أجانب استطلعت وكالة “رويترز” آراءهم بخصوص المشاركة، وأفادوا أن تقديراتهم للمشاركة في يومين بلغت ما بين 15 – 20%، وهو ما يعني أن نسبة المشاركة زورت بما لا يقل عن 10% وفق تقديرات الدبلوماسيين الغربيين المتابعين للانتخابات.

ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال نمط التصويت العقابي الذي أقدم عليه بعض الناخبين بالتصويت للمرشح الكومبارس، والذي اعتبره تقرير “رويترز” مرشحا صوريا، وهي تسمية تحاول أن تكون محايدة بالنظر لما يحمله هذا المرشح الكومبارس من توصيف يقدح في إمكانية حصوله على ما حصل عليه من أصوات. وقد جاء بعض التصويت لهذا المرشح احتجاجا على سلوك إدارة 3 يوليو في سيناء، التي منحت هذا المرشح نسبة 10% من الأصوات التي حصل عليها منافسه.

أما الملمح الثالث من ملامح العقاب الجماهيري، فتمثل عدد الأصوات الباطلة، والتي بلغت مليونا و762 ألفًا و231 صوتا بنسبة 7.3% من إجمالي من لهم حق التصويت، وهي نسبة قد عولجت لتقل عن النسبة التي سادت التقديرات الاولية، والتي بلغت فيها الأصوات الباطلة قرابة المليوني صوت، لتبلغ نحو 10% من إجمالي أصوات المشاركين.

3ـ الحد من إمكانية تزوير إرادة الناخبين:

بالنظر لتلك الجهود الجبارة التي بذلت من أجل توفير الحشد، وأملا في تعظيم المشاركة، فضلا عن جهود “الأذرع الإعلامية” في غسيل دماغ المصريين، وبالرغم من احتكار إدارة 3 يوليو لإمكانات إدارة الكتل البشرية الكبرى، وامتلاك الحصة الأكبر من ركائز القوة الناعمة، فضلا عن الاحتكار المطلق لأدوات قهر المجتمع، بالرغم من هذا كله، فإن قدرة إدارة 3 يوليو على تزييف إرادة الجماهير المصرية تراجعت إلى حد أدنى لم يمكنها معه ادعاء احتفاظ إدارة 3 يوليو بنفس التأييد الذي بدأت به مسيرة ما بعد الانقلاب العسكري.

فلم تستطع ادعاء امتلاء اللجان، ولم تستطع ادعاء ارتفاع نسبة المشاركة، وكان كل ما تمكنت من بلوغه ادعاء انخفاض درجة التأييد الذي حظيت به بمقدار 7%، هو الفارق بين نتيجة المشاركة في الانتخابات الصورية في 2014 وتلك الخاصة بصوريات 2018. ولا شك في أن الأرقام التي أعلنتها “الهيئة الوطنية للانتخابات” أرقام غير صحيحة، وأن أهم الدلائل على عدم صحة هذه الأرقام تلك الأجواء التي يعانيها المشهد السياسي من انعدام النزاهة وغياب الضمانات، لكن الشاهد في هذا الإطار عدم قدرة هذه الإدارة على التحكم السافر في الأرقام برغم كل ما أوتيت من ركائز القوة التي تحتكرها أو تمتلكها بموجب هيمنتها على دولاب الدولة.


خاتمة

“اصطفاف الحد الأدنى” الذي أكدت عليه كل قوى المعارضة “الحقيقية”، تمكن من أن يضغط على إدارة 3 يوليو خلال إدارة ملف الانتخابات الصورية، ويحول دون أن تتمتع بالحرية المطلقة في تزييف إرادة الناخبين المصريين، كما عزز من قدرة الناخب المصري على معاقبة إدارة 3 يوليو، بقدر ما سبب من ارتباك في الخطاب السياسي لنخبة 3 يوليو، وهي حصيلة تراكمية لعمل بلغ مداه نحو 3 سنوات، منها عامين في إطار اصطفاف نسبي. هذا الاصطفاف أكدت عليه قيادات “جماعة الإخوان” طيلة العامين الماضيين، وكان واضحا فيه أن الجماعة لا تتحفظ في بناء هذا الاصطفاف، بقدر ما أعلنته أكثر من قيادة مدنية بالتأكيد على حقوق أعضاء الجماعة في النضال من أجل الديمقراطية.

وبدا للباحث أن هناك أكثر من الإيمان بالاصطفاف لدى “جماعة الإخوان”، التي تحفظت نسبيا على توسيع نطاق استخدام الخطاب الديني لكبح جماح جهود “غسيل الدماغ” الذي باشرته المؤسسات الدينية، وأعني هنا وزارة الأوقاف بصورة خاصة. وبدا أن معركة الضمير قد خفتت حدتها لتحل محلها معركة مدنية محض، وهو برأيي ما أضعف – نسبيا – حملة المقاطعة التي دعت إليها القوى المدنية.

في تقديري، أن “خطاب المسؤولية الانتخابية” الإسلامي، والذي تمثل في شعار “صوتك أمانة”، والذي كانت ترفعه جماعة الإخوان في الفعاليات التي كانت تشارك بها سابقا، هو خطاب مدني، وجزء من روح الإسلام المدنية، حتى إن تأسس على مرجعية إسلامية. فهذا الخطاب، “خطاب المسؤولية الانتخابية”، ليس دينيا، “ومبحث الأمانة” في الفقه الإسلامي ليس مبحثا عقديا، بل مبحث يتعلق بعلاقة الفرد المسلم بالمجتمع.

وأظن أن الأوان قد حان لفحص الخطاب الحركي الإسلامي، واكتشاف حدود الجانب المدني منه وتعظيمها، والتعرف على مواطن الجانب التعبوي الحركي فيه، والتحفظ حيالها، وهذا جانب مهم من الجوانب التي يتوقع مراقبون أن تتضمنها صيغة المراجعات التي لم تعد اليوم تعني الاعتذار، أو الإقرار بالخطأ، وإبداء الالتزام بالمسؤولية التاريخية، بقدر ما يعني البناء للمستقبل، وتعزيز إمكانات الاصطفاف ليتجاوز حالة “الحد الأدنى” لصالح مشروع وطني متكامل.

لقراءة الدراسة بمراجعها يمكن الضغط على رابط العنوان

تعليقات