عمرو خالد.. دبلوماسية الدعوة ومقتضياتها



قد تختلف مع الداعية عمرو خالد.. لكنه داعية فعال

تابعت الخلاف الذي نشب بين الأخين الفا
ضلين أ. حسام تمام وأ. مصطفى عاشور في أعقاب حوار عمرو خالد الذي نشرته صحيفة المصري اليوم في عدد الاثنين 21 مايو 2007، وهو الحوار الذي جرى تسجيله إثر اختيار مجلة التايم الداعية عمرو خالد ضمن أكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم، ثم رحلة أ. عمرو خالد إلي أمريكا لحضور حفل المجلة لتكريم الشخصيات المختارة.

وبقدر ما أعرف وثاقة صلة الطرفين: مصطفى وحسام، بقدر ما استنتجت أهمية السجال بينهما؛ سواء أهميته لكليهما أو أهميته لأمتنا أو أهميته للأستاذ عمرو خالد نفسه. خاصة وأني أيضا – كما أ. حسام تمام – اهتممت بظاهرة الدعاة الجدد لفترة ليست باليسيرة، ولي فيها أدبيات منشورة وغير منشورة تجعلني أسمح لنفسي بالخوض في هذا الحدث وما أعقبه من سجال بروح المتفق مع الطرفين والمختلف معهما في آن، بحكم رؤيتي المختلفة عنهما للظاهرة: ظاهرة الدعاة الجدد.


دبلوماسية الدعوة.. الجيل الرابع

الحقيقة أني عندما تصديت لظاهرة الدعاة الجدد وجدت كثيرا مما يجمع عمرو خالد بأترابه من الدعاة الجدد من سمات الشبابية والعملية والتركيز على التخصص. وبقدر ما نقدت دراسة الدكتور باتريك هاني حول عمرو خالد بسبب رؤيتي لمنهجه الذي يؤدي عمليا لاختزال ظاهرة الدعاة الجدد في شخص عمرو خالد فقط، بقدر ما أميل في نهاية المطاف لتمييز عمرو خالد ضمن دائرة الدعاة الجدد، أو لتمييزه خارج دائرة الدعاة الجدد لما تفرد به عمرو خالد من خصائص سنقص أبرزها فيما يلي.

كنت في البداية في حيرة من وضع معيار لتصنيف الدعاة الجدد مع بداية الاهتمام بهذه الظاهرة، واعتمدت معيار جدة الخطاب؛ فوجدت الدعاة مختلفين من نواح متعددة، ولم يكن يجمعهم سوى الحالة الهوليوودية التي كانوا يعيشونها. ثم طورت معيار الإدراك والتصنيف مع بدء اتضاح خطاب التنمية البشرية لدى شريحة من هؤلاء الدعاة الجدد، وبدا لي أن النجومية ظاهرة دعوية عامة اليوم مع انتشار الإعلام التليفزيوني الفضائي، وأن سر تميز الدعاة الجدد الحقيقي هو اهتمامهم بخطاب التنمية البشرية. ومع هذا أصر عمرو خالد على التفرد باتجاه وحده. وأنا لا أنزعج من هذا التفرد كباحث؛ إذ بغيتي التعرف على ما يجري كما هو؛ لا كما أريد له أن يكون من خلال تنظيراتي البحثية.

كنت قد رصدت من قبل في حوار مع المهندس فاضل سليمان ما أسميته بالجيل الرابع من المنظمات الدعوية، ورؤيتي أن الجيل الأول من الحركة الإسلامية في العصر الحديث كان جيلا ذا هدف ثقافي إحيائي، ثم تطورت الحركة الإسلامية – بخاصة في مصر – في اتجاهين؛ أولهما مثل الجيل الثاني من تنظيمات الحركة الإسلامية، وكان اتجاه الدعوة اتجاها سياسيا كانت فاتحته حركة الإخوان المسلمين، وثانيهما ما اعتبرته يمثل الجيل الثالث من مؤسسات الحركة الإسلامية؛ وتمثل في ذلك الاتجاه الإغاثي الذي أخذ على عاتقه إصلاح السلبيات الاقتصادية الاجتماعية التي خلفتها الحركة الساداتية وما تلاها، وهذه الحركة شاركت فيها تيارات متعددة، منهم الإخوان والجمعية الشرعية وأنصار السنة.. إلخ.

أما ما أسميته بالجيل الرابع من مؤسسات الحركة الإسلامية فكانت تلك التي تباشر الدبلوماسية الدعوية. ومؤسسات الدبلوماسية الدعوية مؤسسات نشأت في أعقاب حادث 11 سبتمبر الأليم، وأخذت على عاتقها القيام بنوع جديد من الدبلوماسية هدفه التعريف بصحيح الإسلام ومحاربة تكريس الصورة السلبية عن هذا الدين، ومنها مؤسسة بريدج التي يترأسها المهندس فاضل سليمان.

وأكثر الملامح بروزا في خطاب عمرو خالد أنه يباشر هذا النوع من الدبلوماسية الآن، لكنه يباشره إلى جانب نمطين آخرين من الدعوة أولهما نمط الوعظ الكلاسيكي، وثانيهما حمل خطاب التنمية البشرية. وهذا التعقيد فيما يتعلق بالحركة التي يباشرها عمرو خالد سبب تميزه وسبب الحيرة لدى كثير من المراقبين في فهم خطابه، وإن كنت أميل في النهاية إلى تضمينه المرحلة الرابعة للدعوة: مرحلة الدبلوماسية الإعلامية، وهذه المرحلة مهمة جدا وخطيرة جدا، ولابد لها من رجال كأمثال عمرو خالد يتصدون لها؛ ولكن.. هل عمرو خالد فعلا مؤهل للتصدي لمثل هذه المهمة؟ أظن أن مقال أ. حسام تمام كانت فكرته الأساسية تدور حول هذه المسألة.

والواقع أن عمرو خالد ضمن هذه المرحلة يتحرك بأسلوب كاريزمي تقليدي يعتمد على شعبيته التي دشنها عبر خطابه الوعظي التقليدي وخطاب التنمية الذي يهتم به، لكنه لا يصلح وحده، بل لا يصلح مطلقا للتحرك على صعيد الدبلوماسية. إن تحرك عمرو خالد على صعيد الدبلوماسية يحتاج لشعبية عمرو خالد الداعية لكي تعطي لتحركه مشروعية من خلال تمثيله الفعلي للظاهرة الإسلامية وقياداتها، لكنها لا تصلح تأسيسا فكريا لهذه الظاهرة. والواقع أن هذا ليس رأيي وحسب. بل هو رأي مجموعة من الخبراء المهتمين برصد الحالة الإسلامية مثل الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، ورأي أ. عبد الله السناوي رئيس تحرير صحيفة العربي المصرية، ورأي المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أحد أبرز قادة اليسار الجديد في مصر والمهتمين بالحركة الإسلامية.

وأذكر عندما كنت أحاور الأستاذ أنس التكريتي أحد أبرز قيادات الحركة الإسلامية في بريطانيا فحدثني عن تضمين الإسلام ضمن العقد الاجتماعي الغربي، وأدركت مدى تعقيد القضية، قضية مواجهة الحملة على الإسلام في الغرب، وهو ما جعلني أتفق مع طرح أ. حسام تمام الذي ينظر بعين المرتاب لفاعلية مكوكية عمرو خالد وجولاته. فهذه القضية: قضية صورة الإسلام في الغرب تحتاج لفهم الطبيعة التبشيرية للمنظمات الإنجيلية والكاثوليكية بأوروبا وأمريكا وبقية العالم وطبيعة علاقتها بالدعوة الإسلامية، ثم تحتاج لفهم طبائع حركة اليمين العلماني الغربي واتجاهاتها وتأثيرها، وهي حركة يتنامى حضورها الثقافي والسياسي، ثم نحتاج فهم آليات إدارة المشكلات الاجتماعية في الغرب، ثم نبني حركتنا على أساس تصور ثقافي عميق. ولهذا أدعو عمرو خالد إلى أن يركز على هذه المساحة ضمن خريطة قراءاته ودراساته، لكي لا نجد فجأة أن الغرب يستهلك عمرو خالد ويوجهه وجهة لا يدري أبعادها برغم "حسن نيته".

وعندما أرسل لي أ. حسام تمام مقاله المنشور في صحيفة المصريون الإليكترونية لكي أفيده برأيي أوضحت له رؤيتي المتمثلة في أن الأستاذ عمرو خالد يدير العلاقة بين الإسلام والغرب بمنطق الحسابات (باعتباره محاسبا)، ويعتبر سوء الفهم بين العالم الإسلامي والغرب محض مشكلة محاسبية يمكن تسويتها بقيد محاسبي (صورة سلبية فنصححها وانتهى الأمر)؛ والحقيقة خلاف ذلك. الإسلام في الغرب يدخل ضمن حركة اجتماعية يتراوح محلها بين القبول والرفض؛ ولابد لكي نحسن فهمها أن نقترب منها بمنظور العلوم الاجتماعية لا بمنظور علم المحاسبة.

لا شك في أن الهالة الهوليوودية هنا في حالة الداعية المنتمي للجيل الرابع من المراحل الدعوية أمر مهم، بل هي أحد أدواته الرئيسة في أداء مهمته، لكن ما نريد لفت نظر الأخ الفاضل أ. عمرو خالد إليه ضرورة معاودة استحضار النية باستمرار. غير أننا على الصعيد الثاني نتحفظ حيال شق صدر عمرو خالد واتهامه بالرياء، وإن كنت أرى أن أ. حسام تمام لم يفعل هذا بقدر ما أكد على نرجسية عمرو خالد الشديدة، وهو ما لا يخالفه فيه أحد لا أنا ولا أ. مصطفى عاشور؛ فضلا عن كثيرين.


دعوة عمرو خالد.. قضية الجزئية

وإن كنت قد طرحت رأيي بين أ. حسام وأ. مصطفى في قضية فهم أ. عمرو خالد لحركته وأبعادها، فلابد وأن ننصف أ. عمرو في النهاية من زاوية خطابه وواقع الجزئية الذي اتفق عليه كثيرون، تلك الجزئية التي دفعت الأخ والصديق حسام تمام لوصفها بالدعوة الإسلامية مكيفة الهواء، وكان من قبل يدعوها أستاذنا الدكتور صلاح عبد المتعال بنمط التدين اللذيذ؛ لأنه لا يلقي أعباء على معتنقيه ومريديه. ولي حيال هذه المساحة وقفة.

كنا – كإسلاميين - قديما عندما نرى خلافا بين الحركات الإسلامية نقول إن الحركات الإسلامية لا يجب أن تعادي بعضها بعضا، وكنا نرى ذلك لأمرين؛ أولهما لأن تحديات العالم الإسلامي تقضي بأن نرتب أولويات مواجهاتنا بحيث لا تنصب جهودنا في نقد بعضنا البعض بدلا من تطوير خطاباتنا والوصول للناس والتعبير الحقيقي عن آلامهم وآمالهم، وهذا لا ينطبق طبعا على جهود النقد الذاتي الموضوعية التي نحتاجها بشدة في هذه الآونة. ولا زلنا اليوم في واقعيتنا نؤمن بضرورة ترتيب الأولويات هذا.

وثاني دواعي عدم معاداة بعضنا البعض أننا كنا في رومانسيتنا الإسلامية نرى أن الحركات الإسلامية التي يكمل بعضها بعضا حتى وإن اختلفت في عمق خطابها على اختلاف مستوياته. كنا آنذاك نرى السلفية تحرص على تنقية الاجتهادات وتوفير نقد بناء لها في ضوء الشرع، والتبليغ تقوم بدور الدعوة الفطري، والإخوان يقوموا بدور الدعوة بما لها من شمول يطال الشأن السياسي، وكنا نرى في هذا تكاملا ينظمه الله في سنته برغم الاختلافات العميقة بين تراكيب الحركة الإسلامية. بمعنى آخر: كان منطق رومانسيتنا يؤكد أنه ليس ثمة أحد كامل، وأن البعض يسد نقص البعض الآخر. وهذا أيضا مما تبقى لنا حتى اليوم. ولا يخرج عمرو خالد عن هذه الدائرة.

إن إدراك الباحثين غير الإسلاميين للخطابات الإسلامية إدراك أحادي أو بأفضل التصورات هو إدراك موازي بمعنى أن أولئك يتصورون أن كل خطاب متكامل في ذاته، له بعده الدعوي المستقل وبعده الفكري المستقل وبعده الوعظي المستقل وبعده السياسي المستقل، وهذه أيضا مشكلة الباحثين الإسلاميين الذين يرجعون إلى المنهج المغترب في فهم الظاهرة الإسلامية. ولا شك في أن المتدينين الجدد الملتفين حول الدعاة الجدد يتسم تدينهم بطابع الجزئية التي تصل إلى رتبة الإخلال في كثير من الأحيان، ولكن سؤالنا هو: هل نلزم عمرو خالد كشخص بأن يغطي في خطابه الوعظي كل مستويات الخطاب التي يحتاجها أي خطاب إسلامي تجديديا كان أو تقليديا؟ والإجابة هي النفي قطعا.

السؤال الذي يثور لدينا هنا هو: هل خطاب عمرو خالد يمتنع عن التواصل مع الأصول؟ وهل خطاب عمرو خالد يعزف بمريديه عن التواصل مع سائر الخطابات الإسلامية الوسطية؟ وهل يحظر عمرو خالد على أتباعه استكمال القصور في تدينهم؟ والإجابة على كل هذه التساؤلات بالنفي قطعا.

أخيرا، أود أن أوضح أنه قد ساءني إلى حد كبير أن نكون بهذا المستوى من الذبح لبعضنا أثناء إدارة خلافاتنا. وأود أن أوجه عناية إخوتي لضرورة أن يكون نقدهم لبعضهم على ذلك القدر الذي ننزل به من كوننا منتمين لطرح أخلاقي أولا، ومنتمين لنخبة تعرف بعضها وتعرف كيف تداوي جراحاتها فيما بينها أو علنا على الملأ.
وسام فؤاد

تعليقات